الشباب السعودي.. الريادة وتحقيق الرؤية - 28 سبتمبر 2016
2021-10-14 612
تأمَّلتُ الزمن البعيد لماضٍ امتدَّ إلى ما يقرب من أربعين عامًا، وجالَ بالذاكرة أولئك الذين كانوا يرتادون مطعم والدي -رحمه الله- صباحًا للإفطار، وهم من أرباب المهن اليدويَّة المنتجة، فكان منهم النجَّار، والحدَّاد، والطبَّاخ، والبنَّاء والسمكري.
هؤلاء كانوا من أبناء البلد يشاركهم القليل من الجالية الإفريقيَّة، ثمَّ أفاء الله على بلدنا بما أفاء من خيرات، فأمَّها كثير من أبناء الشعوب حتَّى وصلت العمالة الوافدة إلى أكثر من مئتي جنسيَّة، ومن هنا أصبحت بلادنا معهدًا عالميًّا للتدريب، تعلَّمت فيه العمالة الوافدة، ثم أسهمت بما استطاعت الإسهام به. في تلك الفترة ابتعد شبابنا قليلاً عن ممارسة هذه الأعمال، حتَّى ظَنَّ بهم مَنْ لا يعرف تاريخ هذا البلد أنَّهم سيعيشون عالة على غيرهم، لا يستطيعون تدبير أمورهم.
وبنظرة فاحصة وتأمُّل لمساراتِ الواقع ومداراته العمليَّة والإنتاجيَّة، نجد أن شبابنا يمكن أن يرتادوا كل مجال، ويسهموا في كل ميدان، سواء كان مهنيًّا أو تقنيًّا.
هذا ما نلمسه واقعًا مشهودًا في وادي مكة، الذي تمخَّض عنه العديد من المنتجات التي كانت بأفكار شبابنا، الذين استطاعوا تيسير أمور الحاج في مكَّة عامَّة، وفي الحرم خاصَّة من خلال جهودهم الخلاَّقة على المستوى التقني والتكنولوجي والمهني.
فأصبح حجَّاج بيت الله الحرام يتنقلون في أروقة الحرم وما يجاورها بكل سهولة ويسر، وذلك بتحديد الاتجاه الذي يريدونه عن طريق الملاحة الداخليَّة في الحرم المكي الشريف.
ولم تعد حافلات نقل الحجَّاج تضل طريقها كما كانت سابقًا بفضل الله أولاً، ثم بفضل الإرشاد الإلكتروني الذي أبدعه شباب سعودي متميّز.
من هنا ووفق تلك الهمَّة المشهودة، والريادة المأمولة لم يعد بوسع من كان ينال من الشباب السعودي، ويدَّعي أنَّهم لا يصلحون لشيء أن يستمر في ادِّعائه؛ لأنَّ الواقع وما تحقق في مجرياته أثبت عكس ذلك، وتبيَّن بما لا يدع مجالاً للشك أنَّه بهذا الشباب الطموح يمكن للمملكة أن تحقق رؤيتها التي أعلنت عنها مؤخَّرًا.
وكان اتجاه الرؤية نحو الاقتصاد المعرفي أمرًا لا رجعة فيه، وارتيادًا لا بديل عنه، وتطلّعًا للبدائل المعرفيَّة الفاعلة والناجزة، بدلاً من الاعتماد على النفط فحسب.
وفي نظري أن التوجّه نحو هذا المقصد الناجع، والتأهب لمسالكه، ومدارجه العمليَّة والإجرائيَّة يضمن لبلادنا المباركة الاستمرار في توفير العيش الكريم لأبنائها وساكنيها من جهة، والاستمرار في عملية البناء والنماء التي توصلنا إلى العالم الأول من جهة أخرى.
وإذا ما عدنا إلى البلدان التي خطَّطت لمستقبلها، ووضعت لذاتها رؤية استشرافيَّة منضبطة، كالهند، وماليزيا، وكوريا، وفلندا، وغيرها من الدول، نجد أنها أصبحت مقصدًا لأبنائها وغيرهم، بعد ما كانت مُصدِّرة للعمالة، ومن ثمَّ حدثت الهجرة إليها بعد أن كانت منها.
وهذا يجعلني أقول بكل يقين لأبنائنا: إن الوقتَ قد حان، والزمنَ قد أَزِفَ لكي تسهموا في تنمية بلدكم، وأن لا تستعيبوا أيَّ عمل يوفِّر لكم دخلاً معقولاً، فقد كان الأنبياء -صلوات الله عليهم جميعًا- يعملون كل الأعمال، فمنهم من عمل بالنجارة، ومنهم من عمل بالحدادة، ومنهم من عمل بالرعي، ومنهم من عمل بالخياطة، ومنهم من عمل بالتجارة، ومنهم من عمل نسّاجًا... إلخ.
ولا أعني أن يتجه جميع شبابنا للعمل المهني، ولكني أقصد التوزيع السليم، بحيث يكون فيهم مَن يسهم بعلمه وفكره، وفيهم مَن يسهم بعمل يده، فيحصل التكامل والتكافل، وتتحقق حكمة الخالق سبحانه الذي فَضَّل بعضَ الخلق على بعض؛ ليتخذ بعضهم بعضًا سخريًّا، ويحدث التوازن في سيرورة الحياة.
لكل هذا، ليس ببعيد، ولا بغريب على شبابنا الواعد أن يشحذَ الهمَّة، ويشدَّ العزم وينطلقَ؛ ليتسنَّى الارتياد المنشود -بإذن الله- إقليميًّا وعالميًّا في شتّى المجالات.